صلاح الفاخرى

هل هذه بداية النهاية لاسرائيل؟

الرئيس الاسرائيلي يحذر من انهيار دستوري واجتماعي نتيجة الخلافات الحادة حول قانون تدعمه حكومة نتنياهو اليمنية المتطرفة يدعو الي تقليص دور المحكمة العليا في الرقابة على قوانين الكنيست وقرارات الحكومة. فخّار يكسر بعضه قد تقول. لكن هناك دروس قيمة لنا قد توضح اسباب بعض مشاكلنا.

اهم هذه الدروس في رأييي ان الفشل مثل النجاح هو دائما حصيلة عقود من التطورات الصغيرة المقصودة وغير المقصودة. فالنجاحات العسكرية والاقتصادية الاولى التى جعلت اسرائيل احدي اكثر دول العالم تقدما وقوةً بُنيت على وحدة الفصائل اليهودية (في فلسطين وخارجها وخاصة في امريكا) في وجه خطر وجودي مثّله التحالف العربي/الشيوعي (ايام حلف وارسو) ضدها، وعلى توافر قادة محنكين نجحوا في تعبئة الغرب ضد اعداء اسرائيل وفي بناء مؤسسات فعالة (مثل المحكمة العليا) تضمن احترام القانون مما شجع على البناء والاستثمار الاجنبي في اسرائيل وسارع في تحويلها الي دولة صناعية متقدمة. وبالطبع استفادت اسرائيل كثيرا من اخطاء العرب وانعدام كفاءة قادتهم وفسادهم ومن الدعم الامريكى غير المحدود.

وبالمثل بوادر الفشل التى نراها الان ترجع الى تشرذم الاسرائيلين نتيجة انحدار شعبية الاحزاب اليسارية (بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وغلبة الراسمالية والعولمة) و تزايد نفوذ المزراحيين (Mizrahi اليهود الذين قدموا من الدول العربية والاسيوية) على حساب الاشكنازيين (اليهود الاوربيين). ففي الثمانينيات قرر مناحيم بيغن زعيم حزب الليكود تبني اهداف المزراحيين والمتمثلة في طرد العرب (لانهم كانوا ينافسون المزراحيين على الوظائف اليدوية) وتوسيع المستوطنات التي يعيش الكثير منهم فيها و زيادة دور الدين في المجتمع. وفي المقابل وضع المزراحيون قادة الليكود (وخاصة نتنياهو رغم انه اشكنازي) على سدة الحكم مرارا رغم اخفاقهم في حل مشاكل البلد الامنية والاجتماعية ولم يتخلوا عنهم حتى عندما ادينوا بالفساد. وكعادة التطرف، ظهرت تباعا احزاب اكثر تطرفا من الليكود، ثلاثة منها الان تشارك الليكود في السلطة وتدعو الي طرد العرب وتحويل اسرائيل الي دولة دينية (وخاصة فيما يتعلق بحرية المرأة وايقاف الحياة العامة يوم السبت واعفاء رجال الدين من الخدمة العسكرية وتدريس الدين في المدارس العامة) والاهم الي التخلص من القضاء المستقل وخاصة المحكمة العليا (التي عرقلت في الماضي برامج الاحزاب اليمنية والدينية ) والادعاء العام المستقل الذي يحاول وضع نتنياهو خلف القضبان. (للاسف الكثير من الاحزاب الدينية مستعدة للتحالف مع اي كان لتحقيق اهدافها: تحالف مشابه بين الفساد واليمين المسيحي المتطرف في امريكا وضع ترمب في البيت الابيض ليكون اكثر الروساء الامريكيين دعما لليمين المتطرف في اسرائيل).

ومع انحسار الضغوط الخارجية نتيجة ضعف الدول العربية وانشغالها بمشاكلها الداخلية بدأت حدة الخلافات تزداد بين الفصائل اليهودية ومع تضعضع الديمقراطية وصعود نجم اليمين المتطرف والوطنية الشوفينية والحركات الدينية في امريكا واوربا وروسيا وجد اليمين الاسرائيلي فرصته لتحويل اسرائيل الي دولة ثيوقراطية وعنصرية بعد تقليص دور القضاء، صمام الامان الوحيد في دولة ليس لها دستور او مجلس شيوخ او رئاسة قوية. يعني في غياب المحكمة العليا لن توجد وسيلة لكبح جماح الحزب الحاكم. ونحن نعرف جيدًا ما يحدث اذا انعدمت الضوابط والتوازنات في مجتمع ما:تهرب روؤس الاموال والكفاءات وتتحول البلاد الى اقطاعات للقلة وينتشر الفساد في كل اوجه الحياة العامة وتنعدم قدرة المجتمع علي تصحيح مساره الا بالعنف والحروب والثورات. ذلك هو النفق المظلم الذي سبقناهم اليه بمراحل. المشكلة ان اسرائيل دولة نووية واذا ما قررت خوض حرب جديدة ضد ايران وسوريا بهدف التوسع والتخلص من بقية سكانها العرب فان احدا لا يستطيع التنبؤ بالعواقب. الشئ الوحيد المضمون هو ان اليهود المتطرفين سوف يفعلون كل ما في وسعهم لاعادة بناء الهيكل وان الايفانجليين (المتطرفين المسيحيين) في امريكا والبرازيل سوف لن يدخرون جهدًا او مالا لإذكاء نار الحرب التي يأملون ان تؤدي الى رجوع المسيح والقضاء على كل اليهود والمسلمين على حد سواء على حسب تفسيرهم للانجيل وان الانظمة والجماعات الثيوقراطية الاسلامية لن تكره مثل تلك الحرب أيضًا وهم ينتظرون بلهفة عودة المهدي المنتظر او المسيحين الدجال والحقيقي. ففي النهاية كل المتطرفين بغض النظر عن ديانتهم لن يترددوا في افناء البشرية كلها اذا كان ذلك يعني انهم الوحيدون الذين كانوا على حق. وفي مسعاهم هذا لن يفتقروا الى السياسيين الفاسدين مثل نتنياهو وترمب وبشار الخ المستعدين لامتطاء موجة الموت حتى النهاية.