صلاح الفاخرى

كيف تصبح زعيما

اذا اردنا فهم جذور فشل دولنا فيجب ان نفهم عقلية ودوافع قادتنا. فظاهر الامر ان سياسة بلداننا عشوائية ويصعب فهمها وتغييرها. لكن الواقع ان قادتنا ككل السياسيين على مر التاريخ لهم نفس الهدف وهو ان يصل احدهم الي السلطة ثم يحافظ عليها حتي يورثها لاحد اولاده او اتباعه. وليصل سياسي الى السلطة في اي مكان في العالم يجب ان يقنع صانعي الملوك (king makers) بانه الاقدر على خدمة مصالحهم والدفاع عن مكتسباتهم. الفارق (المهم جدًا) بين الدول هو في طبيعة صانعي الملوك هؤلاء.

في بعض الانظمة (مثلا كوريا الشمالية والجماهيرية وسوريا وعراق صدام وايران الشاه) هناك صانع واحد وهو السلطان الحالي ومرشح واحد لخلافته وهو ابنه المفضل. هذه عادةً أسوا الانظمة لشعبها لانه لا يوجد اي دافع لخدمة مصلحة احد غير السلطان. انهيار هذه الانظمة يحصل عادةً في اللحظات الحرجة المصاحبة لمحاولة نقل السلطة من السلطان الهرم الى ولي عهد غير ناضج او اذا تقاتل أولياء العهد. ونتيجة الافتقار الى مراكز قوى وعدم وجود ميكانيزم للتداول على السلطة في غياب السلطان فان هذه الدول تنتهي الي حالة من الفوضي والعنف الى درجة انها قد تصبح غير قابلة للحكم.

في انظمة اخرى اقل سوءًا بقليل، السياسي الطامح الى السلطة يجب ان يحصل على رضا مجموعة اكبر بقليل من مجرد جلالة السلطان ومثال ذلك السعودية (صانعو الملوك كانوا اولاد سعود قبل منشار بن سلطان) والامارات (شيوخ الامارات) ومصر (قادة الجيش) والاتحاد السوفيتي والصين (اعضاء البوليتبيرو). الحاجة الى ارضاء اكثر من شخص واحد تساعد على خلق نوع من الاستقرار الشكلي لكن هؤلاء الاشخاص سرعان ما يفقدون الشعور بمعاناة ورغبات شعوبهم وتتصلب ارائهم في خدمة مصالحهم الي درجة تمنع اي تغيير حتى لو اراده الزعيم. لذا فان انهيار هذه الأنظمة يأتي مفاجئًا ومدمرا.

في انظمة اخرى لا تقل سوءًا صانعو الملوك هم طبقة او فئة او طائفة او قبيلة مسيطرة بسبب عددها او ثرائها او بسبب علاقاتها الخارجية مثل جنوب افريقيا ايام التفرقة العنصرية وفنزويلا وافغانستان وايران والعراق واليمن وليبيا حاليا ومعظم دول افريقيا جنوب الصحراء. هنا السياسي الطموح يجب عليه ان يحصل على دعم الفئة المسيطرة وان يستمر في خدمة مصالحها وفي اضطهاد الفئات الاخرى والا تمت تصفيته. هذه الأنظمة عادة غير مستقرة نتيجة الشقاق داخل الفئة المسيطرة وبين الفئات المختلفة وينتشر فيها الفساد لان عدم الاستقرار يشجع المستفيدين على سرقة وتهريب كل ما تقع عليه ايديهم. ولكن المخرج قد يكمن في الحصول على توازن مستقر بين الفئات المختلفة في انتظار ان يحصل انتقال الي النوع الاخير من الانظمة: الأنظمة الديموقراطية.

ولا اقصد بالديموقراطية هنا ان المواطنين متساوون في قدرتهم على اتخاذ القرارات او فرصة الوصول الى السلطة فذلك لم يحدث ابدا. في رائي ان الانظمة الديموقراطية هي انظمة تمتلك بعض القدرة على تقييم اداء زعمائها وطريقة مقبولة من فئات المجتمع المختلفة لتغييرهم سلميًا. ويتفاوت أداء هذه الأنظمة بدرجة نضج وسائط تقويم الاداء (برلمان، احزاب معارضة، قضاء، صحافة ورأس مال) وفعالية المجتمع في التخلص من السياسيين الفاشلين فاذا نضجت كما في سويسرا وفنلندا وكندا زادت الرقابة على السياسيين والبيروقراطية لمصلحة الشعوب واذا ما تدهورت كما في الهند والارجنتين وحتى امريكا تدهور اداء الحكومة وانتشر الفساد. لذلك فان الدساتير والانتخابات والاحزاب الخ ليست ضمانة للحكم الناجح. الضمانة هي ادراك الزعماء انهم باستمرار تحت طائلة المراقبة الدقيقة والموضوعية من عديد كبير من صانعي الملوك وانهم سوف يخسرون مناصبهم وامتيازاتهم اذا فشلوا او افسدوا.