صلاح الفاخرى

متى ستحصل الثورة ‪)‬المباركة‪(‬ القادمة؟

الذي اسقط انظمة لخ القايد وبنعلي ومبارك وعلى صالح (وكاد يسقط بشار وحمد واخرين) لم يكن الناتو او الفساد او الانترنت او الحراك الديمقراطي او الإسلامي (وان اسهمت كل هذه العوامل) بل ظاهرة يصر كل الحكام العرب على تجاهلها ويدفعون ثمنا لذلك روؤسهم المسكرة: الطفرات الديموغرافية. فنحن شعوب ما زال انتاجها الرئيسي الاولاد والنتيجة اننا ندفع بمزيد من الافواه الجائعة على وتيرة متسارعة: 70 مليون نسمة منذ 2011 و120 مليونا اخرين بحلول 2030. وهذه الزيادات تاتي في شكل موجات اولها كان جيلي (مواليد الستينات والسبعينات) ثم ابنائهم ممن وصلوا سن العمل حوالي الربيع العربي ومستقبلا ابنائهم الذين سيصلون سن العمل في العقد القادم لتظل نسبة الاطفال والشباب في معظم الدول العربية اعلى من 50٪؜ (واعلى من اي منطقة اخرى في العالم) لعقود قادمة.

وعادة ما يؤدي الزخم الشبابي الى النمو الاقتصادي لكن معظم الدول العربية (حتي تونس والاردن) قررت عقب تحررها ان تجرب نموذج النمو السوفيتي المبني على التخطيط المركزي للاقتصاد والملكية العامة لوسائل الإنتاج والذي فشل في احداث النقلة الصناعية المأمولة وما زلنا نعاني من نتائجه مثل هيمنة الدولة على كل مناحي الاقتصاد (عن طريق بيروقراطية ضخمة توظف معظم افراد الشعب وتخنق القطاع الخاص) وادمان المواطن على وظيفة حكومية لا تتطلب شيئاً سواء إشراقة وجه سريعة كل يوم الى ان يتقاعد او يموت. لكن بحلول الثمانينات لم يعد بوسع الحكومات العربية باختلاف نظمها ان تخلق وظائف كافية لتستوعب اول موجة سكانية (جيلي) وخاصة في ظروف انخفاض اسعار النفط والكساد العالمي في ذات الوقت. والوظائف القليلة المتاحة تقاسمها أبناء المقتدرين. ولان ثورة ذلك الجيل (في التسعينيات) اخذت طابع الاسلام السياسي (العنيف احيانا) الذي لا يحبذه لا الغرب ولا الشرق ولان جيل ابائهم كانوا مازالوا مستفيدين من الوضع القائم فسرعان ما تم القضاء عليها بشراسة اقنعت الكثيرين بعدم أمكانية تغيير الانظمة الحاكمة.

الموجة الثانية (اولاد جيل الستينات والسبعينات) وصلوا الى سن العمل بعد الانهيار الاقتصادي العالمي الذي بدا في 2008. وبالاضافة الى البطالة التي وصلت نسبتها 30-40٪؜ بينهم كان عليهم أيضًا ان يتحملوا أزمة سكن خانقة وبنية تحتية (مدارس، شبكات كهرباء، طرق الخ ) متهاوية لم تصمم لاستيعاب مثل اعدادهم و أُبُوّةً محبطين غاضبين وحكاما يحاولون توريث السلطة لاولادهم فكانت النتيجة ثورات الربيع العربي بتطلعاتها غير الواقعية وبخيبة الامل الشديدة التي تبعتها في قدرة الحكومات الجديدة على احداث التغيير بسرعة كافية لتفي بمتطلبات هذا الجيل.

الموجة الشبابية القادمة ستصلُ اوجها في منتصف العقد القادم وكل الدلائل تشير الى ان الدول العربية لن تكون مستعدة لاستيعابها خاصة في ظروف الفشل السياسي وانتشار الفساد واتجاه العالم الى التقليل من استخدام النفط (مثلا معظم الدول المتقدمة ستحظر السيارات غير الكهربائية في بداية العقد القادم) وازدياد المنافسة العالمية نتيجة صعود نجم الدول الاسيوية والافريقية (غير العربية) و زيادة التوترات العسكرية مع دول الجوار (ايران وتركيا واثيوبيا و اسرائيل) وتحديات التغير المناخي (نقص المياه والتصحر) والتكنولوجي (الذكاء الاصطناعي وطاقة الالتحام النووي).

اذا صحت توقعاتي فان العقد القادم سيجعل احداث العقود الماضية تبدو وكأنها نزهات ربيعية. وانا اعتقد ان مصدر بعض سياسات منشار بن سلمان الاقتصادية هو خوفه من ان تكون السعودية احد مسارح الثورة القادمة. اما ليبيا باقتصادها الذي يعتمد كليًا على النفط وبضعف مؤسساتها وبنيتها التحتية وباستحواذها على اكثر شعوب الأرض نرفزة وضيق خلق فان انفجار ثورة اخرى ليست سوى مسألة وقت. وكسابقتها سيأمل القائمون بها في ارجاع عقارب الساعة الى الوراء (عندما كل خريج يتحصل على وظيفة حكومية ومنزل وسجاير مدعومة) وسيستغلها من يعرفون جيدا استحالة العودة الى ذلك الزمن للوصول الى السلطة وملء حساباتهم في الخارج من الخزانة العامة تحسبا لثورة لاحقة لتستمر شعوبنا المسكينة في دفع ثمن كراهيتها الشديدة للتخطيط والإحصائيات والأرقام وتفضيلها للوظائف الحكومية والسلع المدعومة ولتجار الكلام وباعة الاحلام.