صلاح الفاخرى

عن حافلات خط مصر

في التسعينات ايام الحصار الجوي كنا (العبدلله وزميل وصديق كان معروفًا نظرًا لظهوره المتعدد على التلفزيون) مرةً مسافرين من بنغازي الى القاهرة على متن حافلة عامة ليلية مكتظة بالركاب. وبعد ان وصلنا الى بداية الطريق الصحراوي جاء أحد سائقي الحافلة الي مقاعدنا في أقصى الخلف ليدعو صديقي الي القدوم الى قابينة الحافلة. وبعد حوالي نصف ساعة رجع صديقي مصفر الوجه ليخبرني بأن احد السائقين كان يطهو مكرونة والاخر يشرب خمرا محلية الصنع وانه رفض دعوتهما للعشاء بحجة انه متعب ويريد النوم.

لكن النوم طار من اعيننا فهذه الطرق خطيرة حتى ولو لم يكن السائق مسطولا ومتخما بالمكرونة. وبعد منتصف الليل توقفت الحافلة عند نقطة تفتيش فتنفسنا الصعداء لان الشرطة لابد ان تلاحظ ما يجري في القابينة و تحل المشكلة. صعد عدة رجال قاسيي الملامح الي الحافلة يرتدون خليطًا من ملابس عسكرية وسراويل عربية وبيجامات وشرعوا في تفقد جوازات سفر المسافرين. ولما وصلوا الى نصف الحافلة سمعتهم يوقظون مواطنا مصريا ثقيل النوم وسمعته يعتذر بانه لم ينم منذ يومين نظرًا لظروف السفر من أقصى الجنوب. وأحتفظ قائدهم بجوازه حتى انتهوا من تفحص كل الركاب ثم عادوا اليه قبل ان يترجلوا ليعطوه جواز سفره وسمعنا احدهم يقول له مهددًا "راك ترقد راه"! لتستمر الحافلة حتى وصلت القاهرة قرابة الظهر بدون ان يتعرض اي احد لسائقيها المخمورين. احد الاصدقاء اكد لي ان كل سائقي تلك الحافلات كانوا "في الامن" مما يفسر جرأتهم.

ومن ذلك اليوم وانا اتجنب السفر بوسائل النقل العام وخاصة البرية منها في اي دولة نامية بقدر الامكان.