صلاح الفاخرى

عن العمالة

في عام 2020 وفى أحدى ضواحي طهران اغتال الموساد العالم الايراني فكري زادة العقل المدبر وراء برنامج ايران للتسلح النووي. كالعادة قام الحرس الثوري بحملة اعتقالات واسعة ضمن معارضي النظام وتم سجن وشنق بعضهم بعد وصمهم بالخيانة والعمالة لاسرائيل.

لكننا الان نعرف ان المسئول عن هذه التسريبات وغيرها كان أعز اصدقاء فكري زادة واسمه على رضا اكباري، ثوري عريق من قادة الحرس الثوري والمقربين من القيادة الايرانية لدرجة انه كان نائبًا لوزير الدفاع، ومن المعروفين بخطاباته النارية للدفاع عن الجمهورية الاسلامية وحقها في امتلاك التقنية النووية. الحكومة الايرانيه اعدمته في يناير الماضي (2023) بعدما اكتشفت المخابرات الروسية انه كان جاسوسًا للانجليز الذي نجحوا في استمالته عام 2004 عندما كان يزور السفارة البريطانية في طهران ليقنع الانجليز بان ايران لن تطور سلاحًا نوويا. كل ما تطلب الامر لتحويله الى جاسوس هو وعد بمنحه وعائلته تأشيرة دخول الى بريطانيا وبعض المال ليبدا مشروعا تجاريًا في اوربا!

المعلومات التي سربها اكباري ساعدت امريكا في اقناع الاوربيين بضرورة فرض حصار اقتصادي صارم على ايران وتجويع وافقار ملايين الايرانيين. وفي نفس الوقت، كان اكباري يلقي خطاباته الحماسية عن الولاء للوطن، ويهدد الخونة بالويل والثبور ويوجه الحرس الثوري الي القبض على الاف المعارضين وتعذيبهم لا اجبارهم على الاعتراف بالعمالة للغرب.

ولا يساورني شك ان هذا ما كان يحصل في الجماهيرية كلما واجههم الامريكان بمعلومات دقيقة عن برنامج ليبيا النووي او انشطتها الخارجية. فبدلا من متابعة القلة ممن يمتلكون هذه المعلومات داخل النظام كانت اجهزة امنه البدائية تقبض على كل منتقدي النظام وخاصة اذا كانوا في الخارج وتجبرهم تحت التعذيب والتهديد بانتهاك حرمة عائلاتهم على الاعتراف بانهم عملاء وخونة بينما يستمر المقربون في خدمة الاستخبارات الأجنبية كضمانة ومخرج اذا ما تأزمت الامور. ولذلك ليس من المستغرب انْ وجد كثير من افراد النظام ملجأ امنا بعد الثورة عند اسيادهم السابقين.

الدرس هنا ان الانظمة الاستبدادية عدوة نفسها وعلى عكس مظهرها هي في الواقع ضعيفة ومخترقة حتي النخاع. لان قادتها يعرفون عدم استقرارها ويدركون ان مصيرهم اسود اذا ما ثار الشعب او على الارجح اذا ما اصبحوا طرفا في الصراعات الداخلية بين اقطاب النظام على النفوذ والمناصب. وبالتالي لا احد حتى القادة في الواقع يدين بالولاء للنظام، وسوف ينتهزون اقرب فرصة للنفوذ بجلدهم بالهرب الى دولة محترمة. الحل يظل في بناء دولة يرغب ابناؤها في الدفاع عنها لانهم يعرفون ان حقوقهم مكفولة تحت القانون وان مصيرهم ومصير اولادهم لا يعتمد على نزوات الزعيم و ابنائه.