صلاح الفاخرى

عن البغدد

مرةً سألتني المرحومة رفيقتي عن معنى "البغدد" لانها سمعت صديقا يكرر أستخدامها عدة مراتٍ خلال مكالمة لم تستغرق 5 دقائق.

ففكرت قليلًا ثم قلت لها الآتي (بالانجليزي طبعًا): تخيلي انكي قد غادرت المستشفى( حيث رأيتي أكثر من 30 مريضا وعائلاتهم ) في قايلة اول يوم في رمضان في عز اغسطس في بنغازي ودرجة الحرارة 40 والرطوبة 100%. ثم تخيلي ان سيارتك غير المكيفة كانت مركونة منذ الصباح في الشمس التي بدات تذوب البلاستيك الاسود الردي الذي يغطي كل ما بداخلها. ثم تخيلي أيضا انك في طريقك الى السيارة تقابل موظفا لاتعرف عنه شيئًا سوى انه “ملتزم" (استنباطا من طول سرواله) ويسكن في اقصى المدينة وفي الاتجاه المعاكس لبيتكم. وبدون تردد وبكل ثقة يطلب منك ان “بالله توصله على طريقك" وتوافق على مضض لانك تعرف ان الرفض سيسبب لك مشاكل اكبر . وعندما تصلان الى حيث تركت سيارتك تكتشف انها محاطة بسيارات مختلفة الاحجام من ثلاثة اتجاهات كلها مركونة في الممنوع وبحفرة مزمنة من الجهة الرابعة. وبينما يشرع الشيخ مصباح (كما عرف بنفسه) في الحديث عن اجر الصابرين وخاصة في رمضان وبالذات في الصيف يبدأ كل فص في دماغك في القرقعة كسقف براكة زينقو في يوم عجاج قوي. ويتفق الجوع والعطش وقلة النوم ونقص القهوه وحرارة الشمس وصوت الشيخ مصباح في جعلك تشعر بانكي علي وشك الإصابة بجلطة. بعد نصف ساعة يتذكر الشيخ انه يعرف صاحب التويوتا البيكاب المحملة بالتبن وروث الاغنام ويذهب ليحضره بينما تجلسين في انتظاره لمدة نصف ساعة اخري بالرغم من ان إحدي السيارات قد غادرت وكان بوسعكي ترك المكان فورًا. وبعد حوالي نصف ساعة ثانية تقررين الذهاب للبحث عن الشيخ مصباح ليعلمكي موظف الاستقبال انه قد غادر المستشفى برفقة موظف اخر منذ حوالي نصف ساعة. وعندما ترجعين الى السيارة تجديها محاطة مرةً اخرى بالسيارات من ثلاثة اتجاهات.

ولما اخبرتها بان ذلك الشعور الذي يجتاح المرء في لحظة مثل ذلك بان مجرد الاستمرار في الحياة هو خطأ فادح ويشكل خطرا على الإنسانية كلها هو ما يسميه الليبيون بالبغدد قالت لي بكل بساطة oh you mean frustration. ونظرت اليها باحباط وادركت انه ليس بمقدورها فهم طبيعة البغدد لان البغدد مثل السحلب والبازين وسندويشات الفاصوليا ظاهرة ليبية صرفة وانه من الأفضل لكلينا بان لا نخوض في مثل ذلك الحديث مجددا.