صلاح الفاخرى

عن الحب #3

في السبعينيات، تساءل المرحوم السيد بومدين "م القلب واللا العين أصل الغيّة ؟ فيكمش من يعرف ايرد عليا ؟". وحتى الان لم أسمع أحدا يرد على هذا السؤال الهام.

والجواب الصحيح هو ان اصل ومصدر الحب، وكل العواطف (emotions) الاخرى مثل الغضب والخوف الخ، هو الدماغ. والعلم يعرف بالتفصيل اجزاء الدماغ المسئولة عن الحب والمواد الكيميائية التي تُحْدثه والتغيرات الفسيولوجية التى تصاحبه ومن ضمنها تغيرات ضربات القلب والتي اقنعت الاولين بان القلب هو مصدره.

ما لا نعرفه الى وجه الدقة هو لماذا نحب؟ فكل العواطف لها وظيفة معروفة. خذ على سبيل المثال عاطفة الخوف والذي لولاها لما ظل إنسان على قيد الحياة. الخوف هو برنامج معقد ينفذه الدماغ لتمكينك من الفرار (او العراك) عندما يستشعر دماغك خطرًا على وجوده. نبضات قلبك وانفاسك تتسارع لضخ مزيدًا من الدم الى العضلات. وجهك يشحب وامعائك تتقلص لأن الدماغ اعاد توجيه الدم من الجلد والامعاء الى العضلات الخ. فالخوف هو بمثابة استنفار كامل لكل خلية في جسمك لضمان البقاء.

الحب الرومانسي هو أيضا برنامج معقد ينفذه الدماغ. فنحن نعرف ان رؤية او حتى التفكير في المحبوب تجعل الدماغ يزيد إنتاج مادتي الدوبامين (dopamine) ،المسئولة عن الشعور بالسعادة والرضا وعن الادمان على المحبوب (الدوبامين هو سبب السعادة والادمان عند مستخدمي الكوكاين)، والادرينالين (adrenaline or epinephrine ) المسؤول عن الإثارة وتسارع القلب والتنفس وقلة الاكل والنوم. الدماغ أيضا يقلل من إنتاج السيروتونين (serotonin) وهو ما يجعلنا عرضة للإحباط والهواجس والغيرة.

اعتقد ان كل ذلك يوفر اجابة مقنعة لسؤال السيد بومدين. لكن ما يظل لغزا هو لماذا تطور العقل ليحب. فوظيفة الحب الرومانسي تظل غامضة وانا لا أجد الكثير من النظريات المطروحة مقنعةً. نظريتي (ولا أملك الكثير من الادلة على صحتها) هي ان الحب وسيلة للتغلب على التردد الطبيعي والحيرة والخوف من الخطأ الذي نشعر به في وجود خيارات متعددة للشريك الجنسي. تخيل ان اختيار مثل ذلك الشريك كان قرارًا عقليا خاليا من اي عاطفة قوية كاختيار حذاء رياضي مثلًا. اذن لا استغرق معظمنا العمر كله في التفكير والمقارنة بين الخيارات ولا انقطع نسل البشر وخاصة انه على عكس الحذاء الرياضي ليس هناك اي ضمانات أن من تختاره سيختارك. لكن عاطفة الحب القوية (وخاصة في شبابنا) تدفعنا الى اتخاذ قرار حاسم وسريع وتمنحنا القدرة على مطاردة المحبوب بلا هوادة وعمل كل شئ ممكن لإيقاعه في شباكنا بإستخدام كل الوسائل المتاحة من اخر صيحات الموضة و تسريحات الشعر والسيارات الفخمة والهدايا البراقة الى ابيات الشِعر و وعود الوفاء الابدي .

وهنا مكمن الداء. لأن الشخص الذي احببناه في ضباب العاطفة نادرًا ما يكون هو الشخص الذي نريد أو يجب أن نعيش معه الى الأبد او حتى لأسبوع. لذا كانت معظم المجتمعات البشرية لا تترك ذلك القرار لشبابها، وكانت كل الزواجات مُرتبة وكل العلاقات العاطفية خارجها محرمة تحت طائلة التعزير والعقوبة التي قد تصل الى الاعدام. لكن كعادة كل حلولنا، ذلك النظام كانت له عيوبه وخاصة عندما بدأ الكبار يضعون مصالحهم المادية والاجتماعية فوق مصالح الازواج. ردة الفعل في الغرب كانت ثورة الشباب ورفع فكرة الحب الرومانسي الى مصاف اهم حقوق الانسان واسمى اغراضه حتى اصبح بديلًا لفكرة الزواج نفسها. في الشرق كعادتنا في دمج المتناقضات مازلنا نحاول عبثًا ان نجد وسيلة لمزاوجة الحب الرومانسي بالزواج الابدي تحت الوصاية الاجتماعية. والنتيجة اننا غالبا ما نضيع الاثنين.