صلاح الفاخرى

عن الحاج اعمر

عن الحاج اعمر

وأخيرا قابلت الحاج اعمر التاجر الذي حذرنا لخ القايد من شروره واتضح انه كان مواطنا بسيطا قليل الإمكانيات ولا يعرف شيئًا اكثر من الجلوس في محله الصغير طوال يومه ليبيع علبة ثقابٍ مقابل خمسة قروش اكثر مما دفع فيها. ومن ذلك الربح البسيط كان يؤجر محلا ويدفع ضرائبه ويربي اولاده بدون ان يثقل عاهل الدولة بمرتب وعلاوات وضمان اجتماعي الخ. لكن لخ القايد الذي لم يكن يحب الراسمالية العالمية المدعومة بالامبريالية الغربية لاحظ ان الحاج اعمر يشكل خطرا على الحرية لان "الاعتراف بالربح اعتراف بالاستغلال" وفي دولة الجماهير لا احد ينبغي ان يربح شيئًا حتى ولو كان (رحمة ولدين). وذات صباح قرر بدون إستشارة او استخارة ان يغلق كل المحلات ليلتحق الحاج اعمر بالشركة الوطنية العامة لتصنيع وتجميع وتوزيع اعواد الثقاب والولاعات التابعة للجنة الشعبية العامة للصناعات الثقيلة والتعدين والمطاحن. وبقدرة قادر صار هناك مدراء ومحاسبون ومراقبون ماليون ومخبرون واعضاء لجان ثورية وغفرة وفراشون كلهم ضروري للتاكد من ان الحاج اعمر يضع عشرين عود ثقاب مستورد في علبة مستوردة ويلصق عليها شعارات حكيمة مثل "الذي لا ينتج لا يأكل الا العجزة" و "الطفل تربيه أمه".

وفي البداية تحقق حلم لخ القايد فالشركة لم تربح قرشًا. في الواقع كانت الشركة تخسر الملايين رغم النقص الشديد في اعواد الثقاب مما اجبر لخ القايد في لحظة يأسٍ خلال احد خطاباته على ان يعلم المواطنين كيف يشعلون النار باستخدام الحلفا واحجار الصوان. وعندها لاحظ الاخوة الأمناء انه بمقدورهم بيع اعواد الثقاب بعشرة اضعاف سعرها الرسمي اذا سربوها الي السوق السوداء متحولين الي برجوازيين مصاصي دماء من النوع الذي طالما حذرنا منه لخ القايد. وفي النهاية لاحظ لخ القايد ان هذا الشعب لم ولن يستوعب نظريات عملاق فكري في حجمه وقرر ان يركز جهده على حل مشاكل القارة الافريقية (ابتداءً بالنقص الشديد في الملوك) ورجع الحاج اعمر الى دكانه ومعه نصف الليبيين لكن الفارق الان انهم لا يعرفون حدودا للربح وكلهم يتقاضى ايضا مرتبا وعلاوات من الدولة مقابل اداء وظيفة غير موجودة. بينما يستمر الاخوة الامناء في تحويل الدولة الى اقطاعات شخصية بناءا علي خبرتهم الطويلة في الفساد ايام التحول الاشتراكي وفي التباكي دون خجل علي ايام القايد المعلم. وكم اتمنى لو كان حيا لنضعهم معه في بوركينا فاسو ليرفلوا فى العز والمجد والرخاء تحت قيادته الحكيمة.