صلاح الفاخرى

عن الحَميّة العربية

في اول ايام اقامتي في لندن اكتشفت ان الانجليز لا يغضبون او على الاقل لا يظهرون الغضب رغم الاهانات المتعددة التي وجهتها للكثير منهم بقصد او بدون قصد. وصدقوني لما اقول لكم انني أهنت كل طبقات المجتمع الانجليزي من السفرادجية وسائقي التاكسىيات الي أفراد الشرطة وأساتذة الجامعات. كنت كما يقولون كالثور في دكان الخزف اصول واجول أحيانًا بسبب الجهل باللغة والعادات وأحيانًا لان اتباع قواعد الحمية والانفة العربية يتطلب الكثير من الغضب والعرايك.

الموضوع كان محيرا. هؤلاء هم من احتلت جيوشهم واساطيلهم تقريبا كل دولة في العالم (فقط 4 دول في العالم لم يغزوها الانجليز) وهزموا اكبر جبابرة التاريخ من امثال نابليون وهتلر ومن اقنعوا العالم كله باستخدام لغتهم وعملتهم وبنوكهم ونظمهم السياسية والإدارية واكتشافاتهم وادابهم الخ. فلماذا يصبرون على اهانات واحد متخلف ازرق كالعبدلله في عقر دارهم؟ او من زاوية معاكسة ما الذي يجعل شخصًا مثلي عمره ما شاف ذرة احترام في الشارع والمدرسة والثكنة ومقر العمل يطربق كالبارود بسبب كلمة او حتى نظرة؟

ثم خطر لي ان نجاحاتهم ربما كانت نتيجة صبرهم علي من كان مثلي. فلوا كان عندهم حميتي العربية لما استطاعت شركة بريطانية حكم كل الهند ولما استطاعوا تحويل لندن الى عاصمة العالم البنكية. وهذه بالطبع سياسةُ "تكلم بلطف واحمل هراوة كبيرة". الاسرائليون تعلموا هذا الدرس عندما كانوا يتحدثون عن السلام وحسن الجوار والتعاون بينما كانوا يغتصبون الارض العربية عبر مكترثين بكل تهديداتنا برميهم في البحر بإستخدام إستراتيجيات القرون الوسطى والعبارات الجارحة.

وخطر لي ايضا ان حميتي العربية ما هي إلا اعراض جانبية لقرون من القهر والظلم. فمعظم غضبنا ليس مرجعه الانفة بل شعورنا بالصَغار في وجه التهميش الدائم مذ ولدنا وحاجتنا الى التنفيس المستمر. فمن كان واثقا من قيمته ومكانته لا يحتاج الي الرد بعنف على كل تفاهة تقذف نحوه بقصد او بدون قصد. اقول قولي هذا متاملا ان احدا منكم لن (يحشش علي) ويختبر قدرتي على تحمل الاهانات بدون غضب.