صلاح الفاخرى

عن الحسد

زمان ايام الدراسة كانت اضمن طريقة للحصول على طريحة بعد التسريح هو ان يُطريك المعلم امام فصلك. لماذا؟ لانه منذ نعومة اظافرنا تعلمنا ان كل تقدير لشخص اخر خاصةً اذا كان من جيلنا و محلتنا هو اهانة شخصية لنا. هذه الخصلة ترافقنا الى القبر كما في حكاية مدير السجن الذي سأل محكومين بالاعدام عشية تنفيذ الحكم عن رغبتهما الاخيرة. فقال الاول "انا بس عايز اشوف امي". وقال الثاني وكان ليبيًا "طلبي الفوال هضا ما يشوفش امه".

فنحن تربينا على الاعتقاد ان حاصل جمع كل شيءٍ في دنيا الله الواسعة هو صفر. اذا انت حصلت على دينار فلابد انني خسرت دينارا. العالم كله كعكة ثابتة الحجم وأي قطعة تاخذها انت هي قطعة خسرتها انا. كل بنت ابتسمت لك في الشارع هي بنت لم تبتسم لي واي عريس تزوجك هو عريس لم يتزوجني. كل مشروع اقيم في منطقة اخري هو خسارة لمنطقتنا حتى لو كان مشروع مطبات. حتى كبار مفكرينا يعانون من هذه العلة مثلا عندما تذمر يوسف ادريس طويلا من حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للاداب وليس من حصول اي خواجة عليها. لكن احدا لن يتفوق على الاخ القايد في هذا الصدد والذي بالرغم من امتلاكه البلاد وما فيها كان يعتقد ان مجرد ذكر اسم وزير او رياضي يعد انتقاصًا من قدره.

وقد يرجع ذلك الى ان اجيالا منا نشأت في ظروف القحط المادي والحرمان العاطفي فلم يعد بوسعنا تخيل عالم يمكن فيه ان يتقدم اكثر من شخص في نفس الوقت. وربما الي حرصنا الدائم علي مقارنة انفسنا بالاخرين وهي عادة لا ينتج عنها الا الهم لانه دائما هناك من هو اغنى او اجمل او اكثر نجاحا منا. او الى علمنا باننا نعيش في مجتمع يعشق النقد القاسي ولا يبالي بغير النجاح المادي ويمتلك تصورات غير واقعية عن احتمالات مثل ذلك النجاح.

مهما كانت الاسباب الحل الوحيد الذي اراه هو ان لا تقارن نفسك الا بنفسك فاذا انت اليوم اكثر حكمة وعلما وسعادة وراحة بال منك بالامس فهنئا لك نجاحك وامض على نفس الدرب. واذا لم تكن فلا تحزن كثيرا فذلك حال الدنيا ولابد من بعض المطبات في الطريق التي قد تستلزم أحيانا تعديل الاتجاه. وفي الحالتين ما يحصل للاخرين لن يغير من امرك شيئا ومن الافضل ان لا تضيع وقتا او جهدا في تقصيه.