صلاح الفاخرى

عن الاختلاف

هناك موجة عارمة من السخط واليأس والاحباط نتيجة كل الاختلافات التي نراها هنا وعلى ارض الواقع. لكن مشكلتنا ليست في الاختلاف فذلك من طبيعة البشر ولم ولن يختفي من الارض. في كندا مثلا لا يتفق اثنان. منذ السبعينيات، هناك حزب في البرلمان يدعو الي انفصال ولاية كيبيك (حيث تظل اللغة الانجليزية محاربة رسميا، تخيل منطقة في ليبيا تمنع استخدام العربية حتي في لافتات المحلات) وهناك حكومة اخرى تدعو الان الي انفصال ولاية البرتا. هناك عشرات الامم الصغيرة (من سكان كندا الاصليين)، كلٌ بحدودها وقوانينها ولغاتها الرسمية. هناك الاف الاديان والطوائف والمجموعات العرقية واللغوية والاحزاب وجماعات الضغط والاتحادات المهنية. هناك من يطالب بالغاء الضرائب والغاء العملة والغاء هذا القانون او ذاك ومن يطالب بالغاء الدولة ذاتها. هناك من يطالب بفرض دين او اخر ومن يطالب بتجريم كل مظاهر التدين. هناك من يطالب بطرد المهاجرين ومن يطالب بفتح باب الهجرة علي مصراعيه. كل موقف او رأي يخطر علي بالك هناك كنديون يقضون اعمارهم في دعمه والدفاع عنه. وبالرغم من كل ذلك تظل كندا موحدة قوية وتتصدر كل قوائم اسعد الدول واغناها واقلها فسادا وتجذب اليها سنويا نصف مليون من المهاجرين من كل بقاع الارض.

بالمقارنة بكندا ومعظم دول العالم نحن نشبه بعضنا اكثر مما تتشابه الغربان. فمشكلتنا ليست في الاختلاف. مشكلتنا اننا مُنعنا من ان نتحاور ونناقش اختلافاتنا ومحاولة التوصل الى حلول توفيقية تحت طائلة قطع العنق او الرزق. فمعظمنا ما زال يعيش في عالم الرأي الواحد (رأي القائد المعلم الملهم والاوحد) ولا يستطيع تصور اي طريقة اخرى لحل الخلافات غير تأمير من يوافقهم الرأي وتسليطه على خصومهم. لكن ذلك لا يحل المشكلة لان الاختلاف لا يختفي بمجرد كتم الاصوات بل يتعمق ويتحول الى عقيدة لا تراجع عنها كما نرى بوضوح في حالة اوطاننا. والمتسلط لن يتوقف عند فرض رأيك بل سيفرض عليك اراءً اخرى كثيرة لا تستسيغها. وخصومك سوف يجدون متسلطًا اخر ليفرض عليك رائهم في حلقة لا تنتهي من القمع والقمع المضاد.

لا اعرف بديلًا عن الحوار المستمر ومحاولة التوصل الى حلول وسطية الا مزيداً من القتل والسجن والتشريد والدمار. اما ان نتعلم كيف نختلف او نعيش بائسين يائسين قبل ان نندثر كما اندثرت من قبلنا امم كثيرة اصر كل فرد فيها انه (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).