صلاح الفاخرى

عن الخوف من الفشل

هناك ظاهرة غريبة تكررت في كل الدول الأجنبية التي عشت فيها. بمجرد ان يصل مواطن ليبي الى اي مدينة لغرض العمل او الدراسة يبحث عن ليبي مقيم في تلك المدينة ويتخذه اماما يساله عن كل امر، يؤجر سكنا بجانب سكنه وسيارة من نفس الوكالة ويصادق كل اصدقائه ويقدم على الدراسة في جامعته ويدرس للامتحانات من نفس حزمة الاوراق التي درس امامه منها والتي ورثها بدوره من الأجيال السابقة.

واذا ما وصلت الى مدينة واصررت على تجد طريقك بنفسك نظر اليك الليبييون المقيمون هناك بقلق ونصحوك بان تتبع الطريقة المضمونة وتنبأوا بفشلك. ثم اذا أصررت وخاصة اذا لم تفشل منذ البداية هجروك وناصبوك العداء كخارج عن الطاعة والجماعة وطمانوا بعضهم البعض قائلين "والله مو صاير منه". ولكن اذا ما صار منك رفعوا اكتافهم باستسلام وقالوا "اكيدة ترك الاسلام "

هذه الظاهرة تتكرر بطريقة اقل وضوحًا في الداخل(مثلًا في المعتقلات السياسية) واعتقد ان أسبابها هى نفس الاسباب التي تسبب ظهور عشرين مطعما حول كل مطعم ناجح و اقتصار المهن والحرف على عائلات معينة وعدم قدرتنا على الثورة ضد حاكم مختل عقليًا قبل ان تثور شعوب اخرى.

فالسبب الرئيسي في رأيي هو اننا نخاف من الفشل خوفنا من الموت والعفاريت. لان الفشل في مجتمعنا لا يعني انك حاولت جهدك ولم يحالفك الحظ او النصيب. انه يعني انك واحد غبي به عطب مزمن وحقيق بالسخرية وحتى الازدراء. تشبعنا بذلك الخوف في اسرنا وشوارعنا ومدارسنا وجامعاتنا وان كان دائما مموها في شكل فضائل كطاعة الوالدين واتباع العرف والعادات والتقاليد وتوقير الكبير والمعلم والامام الخ. فاي بحث عن مسار لحياتك لا يطابق المعيار المحلي هو نوع من الشذوذ ومصيره الفشل وكلام الناس وذلك اقسي أنواع العقاب في مجتمع وسيلة ترفيهه الرئيسية الكلام عن الناس.

الخوف من الفشل يجعلنا نخشى كل ماهو جديد او غير مألوف ونتبع خطى من سبقنا ونبحث دائما عن امام نحمله مسؤولية قيادتنا (وعند الضرورة تبعة كل الفشل) ويسلبنا القدرة على مواجهة مشاكل عصرنا المتكاثرة عن طريق ايجاد حلول تناسب ظروفنا وزمننا. وعلى المستوى الشخصي الخوف من الفشل يحكم عليك بعيش حياتك وفق نمط صممه اخرون مهما كان غير مناسب لشخصيتك وقدراتك وظروفك الراهنة ويحولك الي شخص سلبي متشائم من امكانية اي تغيير الي الأفضل لا يأتي من خارجك (بواسطة ابن الحلال او زعيم جديد او خبير اجنبي الخ) ويجبرك على عيش حياة أسوا بكثير من الفشل.

فقط تخيل ما كان في وسعك ان تنجزه لو لم تكن خائفا من الفشل.