صلاح الفاخرى

عن الاكل الصحي

عن الاكل الصحي

الاكل ليس الطبخ والمضغ والبلع. من المذهل ان هذه الحقيقة البسيطة لا يفقهها الكثيرون لانه من طبع البشر انه كلما زادت اهمية موضوع ما كلما زادت حدة الجهل به وكلما قلت اهميته كلما زاد الهوس به. فقط انظر الى حجم المعلومات الهائل الذي يمتلكه البعض مثلا عن كرة القدم او ممثل او مطرب مشهور وقارن بما يعرفه حتى المتعلم والمختص منا عن اشياء ضرورية للعيش كالاكل والنوم والحركة ومواجهة الضغوط النفسية وتربية الاطفال وطرق اتخاذ القرار الخ. وقد يعود ذلك ان كل هذه الامور محكومة بالعادات والتقاليد والبشر نادرًا ما يتساءلون عن جدوى عاداتهم، او اننا لا نؤمن بانه بوسعنا تغيير عاداتنا حتى لو اردنا ذلك او ببساطة لم يخطر لنا ان هناك طرقا أفضل مما عرفناه طول عمرنا. وحتى لو حاولنا ان نتعلم فاننا سرعان ما نكتشف ان المعلومات المتوفرة متناقضة او صعب تفسيرها او لا هدف لها سوى بيع مستحضرات عديمة الجدوي.

لكن الجهل بالاكل قاتل من الدرجة الاولى. السمنة والسكري وارتفاع الضغط وامراض القلب والتنفس والمفاصل وبعض السرطانات في انتظار كل من يعتقد ان الاكل هو مجرد بلع ما تطبخه المدام او المطعمجي. لكن المرء لا يحتاج ان يكون استاذا في علم التغذية لياكل جيدا. وبعد اكثر من عشرين عاما من دراسة هذا الموضوع بوسعي ان الخصه لك في الحقائق البسيطة التالية:

  • 70٪ مما تحتاجه لتحقيق هدف الاكل الصحي يرجع الى التحكم في عدد الكالوريات (السعرات الحرارية) التى تاكلها
  • 20٪ ترجع الى تنويع ما تاكله
  • 10٪ ترجع الى اكل (او استبعاد) اشياء معينة

وبالرغم من ذلك فان معظم ما يناقش عن الاكل هو عن الـ10٪ الاخيرة (كول فيتامين، كل ماغنيسوم، كول زنك، كول كيتو، كول شيا، كول زعتر، كول خيار، كول عسل، كول زميته الخ). لماذا؟ لاننا نريد تلك الخلطة السحرية التي تمكننا من اكل ما نشاء بدون دفع الثمن من صحتنا ولان الارض تعج بالمحتالين الذين لا يترددون في بيع تلك الخلطة لمن ينشدها. فلا تضيع وقتك ومالك والاهم صحتك في البحث عن المستحيل. كُلْ ما تشاء واستمتع بما تاكله (هدف اخر للاكل مهم ومهمل). فقط لا تستهلك من الكالوريات اكثر مما تحرق (في المتوسط) وحاول ان تنوع ما تاكل بقدر الامكان. ضع في صحنك من اللحوم والنشويات ما تحب لكن احطه بتشكيلة صغيرة من الاطعمة بمختلف الوانها ومذاقاتها ولا تاكل اكثر مما في الصحن (صحن مش قصعة). هذه القاعدة البسيطة تحقق نفس النتائج كما لو وظفت خبيرا غذائيا ليطبخ لك كل يوم. وهي نفس القاعدة التي اتبعها الاجداد عندما جعلوا اكلات صحية مثل البازين والكسكسي والرز المبوخ وطاجين الحوت (عادة مع سلطة خضراء ومخللات) اطباقهم الرئيسية.

مشاكلنا تبدأ عندما ناكل نصف بيتزا متوسطة الحجم مع ليترة بيبسي (حوالي 2000 كالوري او ما تحرقه امراة متوسطة الوزن في يوم واحد والاسوا انها وجبة تفتقر الي التنويع ) او فردة خبز كاملة مع 6 قطع "لافاش كيري" (حوالي 1500 كالوري) او ربع كيلو بطاطا مقلية او حلويات شرقية. لان كل هذه الاكلات تعطيك جرعة كالوريات ضخمة بدون الكثير من المغذيات الاساسية التي تحتاجها.

وكيف تعرف انك تاكل اكثر مما تحتاج؟ لا تحتاج الي تقنيات متقدمة لتقدير نسبة الشحم في جسمك ولا حتى الى ميزان. فقط انظر الى بطنك. اى شحم تراه هناك هو ليس فقط دليل على الافراط في الاكل بل اذا زاد عن حجم معين مؤشر واضح الى خطر داهم من امراض القلب. في الواقع منطقة الخطر تبدأ عندما يتجاوز حجم الخصر (في مستوى الصرة) 90 سم للرجل و 80 سم للمرأة.

وماذا عن الـ10٪ (ما يجب ان ناكل او نجتنب) التى لا نمل من الحديث عنها؟ الوف الدراسات العلمية لم تفلح في الاجابة عن السؤال لذلك من الحكمة تنويع الاكل. لا اعتقد ان هناك ادلة علمية على ضرورة اخذ فيتامينات او معادن او طعام معين من قبل غير الحامل ومن لا يعاني من مرض مزمن (فيتامين د مهم لمنع هشاشة العظام بعد انقطاع الطمث وبعض الفيتامينات مهمة قبل وخلال الحمل وكذلك اليود في المناطق البعيدة عن البحر). اما ما يجب الابتعاد عنه بشكل مطلق لمن لا يعاني من مرض مزمن فلا استطيع التفكير في اي شئ عدا الخمر (مسرطنة ومصدر كالوريات بدون اي مغذيات) ومشروب الماتا (مسرطن). انا شخصيا لا اضيف السكر ولا اشرب ما يحتوي على سكر مضاف. ما عدا ذلك، اكلُ كل شيئ بكمية صغيرة في وجبات صغيرة منوعة.