صلاح الفاخرى

عن اللغة #2

قلت فى السابق ان كل من تتعامل معه فى بريطانيا و كندا كان يتحدث ويكتب نفس اللغة الانجليزية التى نقرأها في الكتب بينما في معظم الدول العربية نستخدم عدة لغات. فهناك لغة الاطفال (قاقا واخواتها وبالطبع الغوله والعفريته). وهناك العامية/الدارجة وهي لغة مخاطبة فقط ونادرا ما تستخدم فى الكتابة (الا على الانترنت) لانها لا تملك ابجدية او قواعد نحوية متفق عليها. وهناك العربية الحديثة وهى لغة كتابة فقط لاستخدامها لقواعد نحوية و هجائية موحدة لكن القليل يستخدمها للمخاطبة الا فى بعض البرامج الاعلامية. وهناك الفصحى واستخدامها مختصر فى الأغراض الدينية وبعض المسلسلات التاريخية. وهناك لغة المثقفين وهى مزيج من كل ما سبق وعادة ما يستخدمها السياسيون والاعلاميون فى التخاطب. وبالاضافة الى ذلك توجد لغات الاقليات غير العربية ولغة اوروبية (او اكثر) وهى عادةً ما تكون لغة التقنية والطب والتعليم العالي والبحث العلمي.

هذه الشرمولة اللغوية ادت الى نتائج كارثية. لان لغات العلم والتقنية (اللغة الاوربية) والاعلام (العربية الحديثة) والدين (الفصحى) يقتصر استخدامها على شرائح اجتماعية ومهنية معينة ويستثنى اغلبية الناس مما ساهم في تحويلنا الى شعوب طبقية تحكمها اقليات فوقية تحتكر العلم والاعلام والفكر والدين ولا تتفق على شئ لإن كل شريحة تشعر بانها اقرب الى متحدثى لغتها (الاوربيين او المثقفين العرب أو الاسلاميين) منها الى ابناء بلدها من الشرائح الاخرى. وكلها يحتقر المواطن "الجاهل" الذي لايستطيع التعبير عن نفسه إلا باستخدام اللغة السوقية او العنف والذي بسبب ذلك يظل صامتا ومعزولا حتى ينفجر بشكلٍ مفاجئ ذات يوم ليستبدل مجموعة فوقية باخرى.

طبعا كل الاقليات الفوقية تقدس اللغة العربية وتتالم لتهميشها وتدعو لاحيائها ولكن مشروع التعريب يظل متعثرا بعد اكثر من 150 عاما منذ انطلاقه. فما زالت العربية لغة ثانية لمعظم العرب الذين يستمرون في التخاطب بالعامية المخلوطة بلغة اجنبية وخاصة بعد انتشار الانترنت والهواتف النقالة. ومازالت كل العلوم والاداب (وحتى النحو) تُدرس بالعامية او بلغة اجنبية. وما زال معظمنا يفضل الموت على الخازوق على التكلم باللغة العربية ارتجالا. وما زالت الكتابة (وحتى القراءة) مقصورة على قلة. فبرغم ان اول كلمة في الوحي هي "اقْرَأْ" فان المواطن العربي يقرأ في المتوسط بضع صفحات كل عام بينما يقرأ الاوربي والاسرائيلي ما بين 30 و 40 كتابا في العام (اليونسكو: 1). ورغم كل الزعيق عن ضرورة الترجمة الي العربية لا يعادل كل ما يترجمه العرب خمس ما تترجمه اليونان (اليونسكو: 1). كل هذا يثير الشك في صدق نوايا الاقليات الفوقية في حل مشكلة ثنائية اللغة وتعميم العربية لانه (في اعتقادي) ليس من مصلحة اى منها ان يتحقق ذلك.

وللحديث بقية

(1) https://tarjema.com/2015/04/23/how-much-do-arabs-read-and-what-do-they-read/

الجزء الاول: