صلاح الفاخرى

عن اللغة #4

تدبر العبارات التالية:

حادث سير أليم. هل سبق ان شهدت حادث سير مُفرحا؟

جثة هامدة. على عكس الجثة الثرثارة؟

عبد مأمور. وهو غير العبد الآمر؟

اطفال في عمر الزهور. وهم طبعًا الاطفال.

وأخيرًا من كل نشرة أخبار عربية: في زيارة لتونس الشقيقة (وليس تونس الاخرى العدوة) بحث الزعيمان القضايا ذات الاهتمام المشترك (بدلًا من القضايا التي لا تهم أحدا؟) وعبرا عن قلقهما مما يجري في القدس السليبة (وليس القدس التي لا نزال نحتفظ بها) ودعم الشعب الفلسطينى البطل (!) في نضاله المشروع (نحن لا ندعم نضال الفلسطينيين غير المشروع) ضد الكيان الصهيونى (!) لاسترداد حقوقه المغتصبة (!).

هذه كلها عبارات متداولة لا تعني شيئا (كليشيهات، من الفرنسية cliché وتعني القوالب المستخدمة في الطباعة). يستخدمها القادة والسياسيون والصحفيون والشيوخ لتغطية ضحالة ما يقولون (وذر الرماد في العيون، كليشيه اخر)، ويرددها الناس (كالببغاوات, كليشيه) غالبًا بدون ان يدركوا معناها كبديل عن التفكير.

لكن استخدام الكليشيهات (وصل الى أوجه، كليشيه) أيام الجماهيرية الحرفة، عندما كان نصف كل رسالة رسمية وكل لقاء اذاعي وكل اجتماع كليشيهات فارغة. وحيث كانت (الجماهير الشعبية تلتحم مع قائد ثورتها لتعبر عن عرفانها الابدي بالأطروحات الثورية الخلاقة التي أشرت عصر الجماهير والانعتاق النهائي من كل ادوات القمع والاستغلال وعزمها على المضي قدمًا في تنفيذ توجيهات القائد الاممي رغم مكائد الراسمالية العالمية والإمبريالية الامريكية وعملائها المنبطحين)، جملة طويلة يمكن تلخيصها فـ"صفق الصفاقة لصفيق الوجه". وأيام قضى الليبييون معظم وقتهم في ترديد الشعارات بدلا من تشخيص مشاكلهم والبحث عن حلول. ازمة سكن: البيت لساكنه. أزمة بطالة: شركاء لا اجراء. ازمة تعليم: ان الجهل سينتهي…

للأسف ما زالت عقولنا ترزح (كليشيه) تحت سيطرة الكليشيهات والشعارات الساذجة. وما زلنا نرددها وكأنها حقائق ثابتة وتشخيصات دقيقة وحلول عملية لمشاكلنا العويصة. ولن نستطيع تغيير واقعنا إلا إذا أدركنا ان مشاكل الدولة الحديثة معقدة وانه لاتوجد حلول جاهزة وتصلح بكل الأطراف وفي كل الظروف، وحتى لو وجدت لا يمكن تلخيصها في شعار براق سواءً كان "الاسلام هو الحل" او "فصل الدين عن الدولة" او اي شعار اخر. فنصيحةً فر من الكليشيهات فرارك من الأسد (كليشيه) ولا تقبل اي شعار بدون ان تطالب قائله بتعريف دقيق لكل كلمة فيه وتحليل عميق لاصوله ومعانيه.

والفاتح ابدا والكفاح الثوري مستمر، واقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، وفي امان الله وحفظه، وردوا بالكم من بعضكم، واليد بروحها ما تصفق، واللي شايل قربة تقطر على ظهره، وخيركم خيركم لاهله، ولابد مما ليس منه بد، والمكلوب يكتفوه هله (كليشيه).