صلاح الفاخرى

عن المدارس #1

بمناسبة امتحانات المرحلة الإعدادية، عندي أعتراف خطير قد لا تتوقعه من استاذ جامعي قضى اكثر من عشرين عاما من حياته في التدريس: انا أكره المدارس النظامية بكل مراحلها. حتى في الدول المتقدمة، المدارس لا تعدو كونها وسيلة غير مكلفة لإلهاء الأطفال والشباب (حتى يتمكن البالغون من الذهاب الى العمل والتسوق) وتحويلهم الى ماكينات ذكية بعض الشيء قادرة على العمل ودفع الضرائب وتنفيذ الأوامر عندما تصل سن البلوغ. اما في الدول المتخلفة فالمدارس غالبًا ما تلعب الدور الأساسي في ضمان ان الشعب سوف يظل يدور في حلقة التخلف الى الابد.

لماذا كرهت المدارس مذ دخلتها وحتى الآن؟ لان المدارس (ومناهجها وأساليبها)مصممة لتفشل في مهمتها الاساسية وهي السماح للتلاميذ بأن يطوروا عقولا خلاقة ومفكرة ونفسيات متوازنة. فلا توجد في رأيي وسيلة اضمن للفشل من حشد عشرات الأطفال والشباب بغض النظر عن قدراتهم وطبائعهم في غرف مكتظة لساعات طويلة كل يوم وتلقينهم نفس انصاف الحقائق تحت طائلة العقاب الجسدي والنفسي والتهديد المستمر بالفشل في امتحانات معيارية مُوحدة لا تختبر شيئًا سوى القدرة على اجتيازها، ثم وصم من فشلوا فيها بصمة الفشل طوال ما تبقى من أعمارهم واستبعادهم بسبب ذلك من كل الفرص الوظيفية والحياتية. في الواقع، في كل مدرسة اعرفها كانت احتياجات التلاميذ وطموحاتهم هي اخر ما يخطر على بال احد، ودائما تعلوها احتياجات وطلبات المدرسين والاباء وأسواق العمل والمؤسسات الدينية والسياسية والمجتمع والوطن والقائد الملهم الخ. ومن هذا المنظور فان المدارس لا تختلف كثيرًا عن السجون وحظائر الدواجن.

انا أعتقد ان التقدم العلمي والحضاري يحصل ليس بسبب المدارس النظامية بل بالرغم عنها. والدليل هو ان دولا كليبيا رفعت نسبة الالتحاق من المدارس من اقل 1٪؜ من كل الاطفال الى اكثر من 99٪؜ طوال اكثر من خمسين عاما دون ان تحرز اي تغيير حقيقي للأفضل. وحتى في الدول المتقدمة ورغم كل ما يُنفق على المدارس والجامعات ما زال ما يتعلمه الطفل في سنواته الاولى في منزله هو اهم محددات نجاحه في الحياة، وما زالت نتائج الاختبارات المعيارية في كل المراحل تفشل في توقع درجة ذلك النجاح، وما زال معظم التقدم الحقيقي يحصل على يد من يتجاهلون المناهج الرسمية.

فاذا ما أردتم لأولادكم ان يصبحوا بشرًا أسوياء نفسيًا وعقليًا (وليس فقط حاملي درجات تؤهلهم لوظيفة ما) لا مناص من ان تختاروا لهم أمهاتٍ و أباءً يمتلكون مهارات التفكير والتعلم والتواصل واخلاق العطف والتواضع وإحترام الاخر خاصةً اذا كان طفلًا. ولا بد من ان تهيئوا لهم بيئة صحية ابتداء من الحمل الى البلوغ ومرورا بالرضاعة الطبيعية والتطعيمات وتعلم اللغة والقراءة والكتابة ومهارات التواصل والتفكير وحل المشكلات قبل ان يبلغوا الخامسة. فاذا فعلتم فلن تضرهم المدارس النظامية شيئا.