صلاح الفاخرى

عن النرجسية في الحب والسياسة

النرجسية التي اقصدها لاعلاقة لها بالزهرة طيبة الرائحة والتي يحرص بعض المعربين على تسميتها العَبْهَر. النرجسية هي تعريب لكلمة narcissism المشتقة من Narcissus الشاب الاغريقي الاسطوري الذي كان يعشق نفسه لدرجة انه مات من العطش نتيجة ادمانه على تامل وجهه في بركة مياه (هذا قبل انتشار السيلفي) والي الان مازال اسمه يستعمل في وصف حب الذات المؤدي الي الأنانية المفرطة (وايضا في وصف المخدرات narcotics).

وبالطبع كلنا نحب أنفسنا وحب الذات خير من كره الذات فلم يشكو الكثيرون من نرجسية البعض؟ لان النرجسي تصعب معاشرته ولا يمكن الاعتماد عليه كزوج او صديق او رفيق او زميل عمل (والكلام ينطبق على النساء أيضًا). فالنرجسي لايحب ذاته فقط بل يعتقد وبدون دليل انه افضل واولى بالحب والتبجيل وبكل خير من اي انسان اخر. كل منحة او ترقية لا تضمه هي واسطة ومحسوبية. كل أمرأة لا تقبل مبادراته هي "مش كويسة". كل كلمة شكر لم تكن موجهة له هو فقط هي طعنة في قلبه. كل غلطة بسيطة في حقه او غفلة عن احتياجاته هي اهانة كبرى ومتعمدة ليس له فقط بل لكل العرب والمسلمين.

في الصداقة، النرجسي سيتقبل منك الاف الخدمات واللفتات الطيبة وكلمات الاطراء والتبجيل دون ان يفكر في ردها لإن هذا هو الوضع الطبيعي باعتبارك صديق مقرب لشخصه العظيم حتى اذا ما مرة واحدة قصرت ولو عن دون قصد او انتقدته ولو بكلمة انقلب الي عدو لدود لاخر الدهر. فالنرجسي لا يتحمل اي انتقاد مهما كان صحيحًا وهادفًا وحتى لو غلفته في كيلو بكلاوة بالفستق. وهذا ما يجعله غير قابل للتعلم او تحقيق النضج العاطفي والعقلي.

في العلاقات العاطفية سيغرقك بالاهتمام في بادي الامر ويصدع راسك بعشرات المكالمات والمراسلات اليومية ويضع نفسه في محل معلمك وملهمك وناصحك الحقيقي الوحيد ويخبط صدره عارضا كل أنواع الخدمات وخاصة في المستقبل البعيد. حتى اذا ما وقعت بالفخ وبدأت تبادله الاهتمام بدأ في الشكوى انك لا تحبه بالقدر الكافي ولا تقدر كل تضحياته. وكلما ما بدأت تقدم التنازلات لارضائه زادت طلباته وقل اهتمامه لان كل ما يريده من اي علاقة هو تاكيد عظمته وروعته. فاذا ما حصل على ذلك انطفأ "حبه" وانتقل فورا الي مطاردة ضحية اخرى لانه لا يوجد على سطح الارض عدد كاف من الناس ليحبونه .

في السياسة… لا اعتقد انكم تحتاجون ان اصف لكم السياسي النرجسي لانه في الوطن العربي لا يوجد سياسي غير نرجسي وان كانوا يتفاوتون في النرجسية. فبعضهم مقتنع بكونه الحاكم المطلق مدى الحياة الذي لا يجوز انتقاده او مخالفة رأيه وبعضهم (احم الاخ القايد) يريد ان يسير العالم كله حسب افكاره وليس خلال حياته فقط بل الى الابد (الفاتح ابدا) وهو ما قد يبدو مضمونا لزمن طويل جدا حتى اللحظة التى يقرر فيها شعبه "اللي كلهم يحبوه" ان الكيل قد طفح.

فالنرجسي ليس فقط خازوقا في مؤخرات الناس. انه ايضا اعدى اعداء نفسه قبل كل شيءٍ. وذلك ليس مستغربًا لان داخل كل نرجسي طفل يكره نفسه بشدة.