صلاح الفاخرى

عن السحر

ايام شعبية بوهديمة ايقظني ذات صباح ممطر صراخ وعويل ليتبين ان ابن الجيران المراهق قد اختطف بنت الجيران المراهقة ولم يُعثر لهما على اثر. وبعد ثلاثة ايام عادا معًا وفي خلال اسبوعين تزوجا في حفل بسيط (بعد اتمام الصلح بين العائلتين). وبعدها بأيام دخل علينا العريس الجديد ونحن نلعب اسكمبيل سداسة في مربوعة غارقة في دخان السجائر ورائحة الشخاشير وشرع يحدثنا بصراحة لم اتوقعها عما حدث يوم الحادثة. وخلاصة القصة انه توقف كعادته كل صباح على باب شقة اهلها ليتناول من يديها الشاهي بالحليب في طريقه الي المعسكر. لكن الشاهي او الحليب (لم يعرف بالظبط) كان مسحورا وبعد جغمة واحدة لم يصحو الا ثاني يوم وهو معها في مغارة في الجبل. ولدهشتي هز كل الحاضرين رؤوسهم تعاطفا معه في الموقف الصعب الذي وجد نفسه فيه وشكروه على الزواج منها وسترها مما يدل على اصالته وسمو اخلاقه. ثم شرع الاخرون في رواية قصصهم مع السحر والسحرة. وكانت كلها تؤكد ان المرء في ليبيا يمكن ان يكون ماشيا في حاله مجدًا في عمله مخلصًا في حياته ليجد نفسه فجاة متورطا في خيانة زوجية او صفقة فاشلة او اي موقف محرج اخر والتفسير الوحيد لذلك هو السحر.

والتزمت بالصمت ولكنني شعرت انني قد اسأت تقدير ذكاء ابن الجيران لانه قد ارتكب ما يعرف بالجريمة الكاملة ولا احد يستطيع اثبات أي شيء ضده. فبدلًا من الانتظار عشر سنوات ليوفر ما يكفي من المال للزواج من حبيبيته، اجبر عائلته وعائلتها على زواج سريع منخفض الكلفة (لتجنب الفضيحة) وحمل كل المسؤولية عن افعاله لساحرة مجهولة الهوية استخدمت ضده طرق ووصفات سحرية لا يمكن اثبات وجودها من عدمه. وطبعًا السحر حق ومن يستطيع استبعاد دور السحر في اي قضية. وانا متاكد ان زوجته كانت تحلف بانه هو الذي سحرها.

وخطر لي ان السحر كاي ظاهرة اجتماعية اخرى يلعب دورا مهما في حل مشكلات حقيقية كصعوبة الزواج او على الاقل في تجنب اي صعوبات قد تنتج من تصرفات يستنكرها المجتمع مثل خطف زوجتك المستقبلية. يذكرني ذلك بظاهرة الجنين الراقد والتي تستخدم لتبرير ولادة طفل بعد ثلاث سنوات من وفاة "والده" لان فجعة الام الحامل بوفاة زوجها اجبرت الطفل على النوم في بطن امه كل هذه السنين. (استاذنا الدكتور فوزي بن عمران نشر بحثًا رائعا عن هذه الظاهرة). مثل هذه القناعات تشكل اسلحة فعالة في يد مستضعفي المجتمع في مجابهة القهر الممنهج الذي يتعرضون له.

لكن لمفهوم السحر استخدام أخر اكثر ضررًا ومثاله ما كان يحدث في اوربا في القرون الوسطى عندما كان يرمى بالساحرات (عادة نساء بدون اقارب وغير متزوجات ولكن يملكن أرضًا زراعية خصبة) من علو الى قرارة النهر فاذا عشن فانهن ساحرات وتوجب حرقهن واذا متن فالله يرحمهن. الهدف هنا كان الحصول على قطعة ارض او التخلص من جارة غير محبوبة لكن كان هناك فوائد اخرى للمتسلطين مثل تحميل السحرة والساحرات مسؤولية وباء او مجاعة او كارثة بيئية متجنبين اي مسئولية عن مشاكل المجتمع و في الوقت ذاته ظاهرين بمظهر الاتقياء المحاربين لكل الانحرافات عن الدين في صفقة يستفيد منها الجميع الا المتهمين بالسحر.

فالسحر ككل افكار المجتمع المقهور سلاح ذو حدين يستخدمه المتسلطون والمقهورون على حد سواء بطرق يصعب التنبؤ بعواقبها. وانا هنا لن احاول إقناع احد بالتخلي عن فكرة السحر خاصةً اذا ما كانت تلك الفكرة هي احدي أدواته القليلة لمواجهة القهر ولكنني آمل ان لا تتبنى أجهزة الدولة التهم بالسحر كوسيلة قمع اخرى ضد المستضعفين (النساء والأقليات والاجانب) في مجتمع لا تعوزه وسائط القمع ولا مبرراته.