صلاح الفاخرى

عن الصراحة

كان لنا جار عربي في عمارة كبيرة في مدينة كندية. ورغم انني كنت قليلًا ما اذهب الي غرفة الرياضة في الطابق الارضي كنت دائما اجد عبدول (كما كان يدعو نفسه) هناك جالسًا على الدراجة الثابتة ليشاهد التلفزيون او متحدثا على التلفون المخصص للطوارئ بصوت عال موبخا أولاده وزوجته السابقة. عبدول كان كمعظم سكان العمارة متقاعدا يعيش لوحده في شقة صغيرة. لكن على عكس كل الجيران كان عبدول يحب الصراحة وخاصة بين الأصدقاء. أخبرني بذلك عندما تعارفنا للمرة الاولى و دأب على تذكيري بذلك كلما تقابلنا في غرفة الرياضة.

"بصراحة " كان عبدول يقول "اللي يشوف عربيتك ما يقولش عليك دكتور" مشيرًا الي سيارتي الكورولا موديل 2006. "بصراحة انت لازم مليونير عشان مراتك احلى منك كثير". ومن كثرة تعليقاته على وزني "الله انت تخنت كيده ليه" اصبحت لا اكترث بإستعمال ميزان الحمام.

وكنت اقول لعبدول "الصراحة راحة" كما نقول في ليبيا. فمصارحك ارتاح بالتنفيس على كل ما في خاطره وانت ايضا ترتاح لانك على الاقل تعرف ما كان يبطن ولا تحتاج الى تضييع وقتك فى تخمين منزلتك عنده.

لكن عبدول على ما يبدو كان يعتقد ان الصراحة شارع وحيد الاتجاه لانني اكتشفت انني قد خسرت عبدول الى الابد عندما اشتكى لي يوما من رسالة تلقاها من ادارة العمارة تعنفه على إستخدام هاتف الطوارئ للمكالمات الشخصية وقلت له "بصراحة بعض الجيران كانوا متضايقين لما يسمعوك تتكلم بلغة ما يفهموهاش وبصوت عالي في مكان عام زي الجم". عبدول زعل منى واصبح يتجنبني لانه على ما يبدو كيل اللكمات على الذقن ليس كتلقيها.

فنصيحة كلما وجدت نفسك تبدأ جملة بعبارة "بصراحة" أسأل نفسك عما اذا كان ما ستقوله ضروريا ومفيدًا وليس مجرد "فش خلق". وإذا شاء الله ان تكون صريحا مثل عبدول فيجب عليك على الاقل ان تطور جلدًا سميكا ليساعدك على تحمل صراحة الآخرين.