صلاح الفاخرى

عن التباكي على الأخ القايد

يتباكى الكثيرون على الاخ القايد وعهده وإنجازاته وخاصة في ظل الازمة السياسية الراهنة. وبفرض انهم ليسوا مجرد أقلام مأجورة تنفذ مخططًا لافشال اي مشروع بديل لدولة الحقراء اود ان اذكرهم ان القايد رغم 42 عاما (جيلين كاملين) في الحكم فشل في تأسيس دولة يمكنها الاستمرار من بعده (لانه حتى بدون ثورة فبراير فان حكمه كأن سينتهي يوما لانه رغم التأليه والتقديس ظل بشرًا يعيش ويموت). كل اركان نظامه وبما فيها الجيش واجهزة الامن المتعددة والمؤتمرات واللجان الشعبية كانت واجهات جوفاء تهاوت في وجه اول تحدي حقيقي واجهته. والادهى انه فشل في إحداث اي تغيير ثقافي او سياسي او اقتصادي حقيقي لانه كان مهوسا بذاته التي كبرت حتي ازاحت كل شخصية او مؤسسة يمكن ان تخلفه ليصبح المعلم والصقر الاوحد والامين على القومية العربية وملك ملوك افريقيا الخ او كما قال الشاعر: ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد لكن نسى ان كل الالقاب والشعارات والصور الحائطية والازياء السخيفة لا تغني شيئًا عندما تصطدم بالواقع.

يتباكون على المساواة في ايامه والفساد المستشري الان ويتناسون انه حقق بعض المساواة خلال مرحلته الاشتراكية عن طريق مصادرة أموال الأغنياء جاعلًا الجميع متساويين في الفقر ليرجع خلال مرحلة الرأسمالية السوداء وينقل كل اموال الليبيين الى حفنة من أقاربه واتباعه. والا كيف تمكن ابنه الساعدي من اللعب في الدوري الايطالي وهو رغم تناول كل المنشطات المحظورة لا يستطيع الركض اكثر من 100 متر بدون ان يصاب بنزلة معوية. وكيف تمكن اولاده الاخرون من احتكار معظم الأنشطة الاقتصادية في البلد وكيف تمكن اتباعه من العيش في رفاهية في مصر ودبي وتركيا بعد موته.يتناسون كيف كان معظم الشباب الليبي عاطلا او شبه عاطل عن العمل وكيف اصبحنا نعتمد في كل شيءٍ على الاستيراد.

يتباكون على التطبيع مع اسرائيل ويتناسون انه خلال عهده الطويل عمره ما ازعج الاسرائيليين ولو بخدش رغم كل التهديدات وخبط الصدر. وان كل مساهمته في النضال كان في زيادة شرذمة العرب عن طريق معاداة كل الدول العربية بما فيها عراق بطلهم الاخر صدام وعن طريق اضعاف القيادات الفلسطينية بدعم كل من خرج عن جماعتهم. ففي الواقع اسرائيل وامريكا والحلف الأطلسي كانت مفيدة له لاستخدامها في تبرير كل هزائمه. وكلنا نتذكر كيف اخذ في التضاحك واللكلكة عندما واجهه الملك عبدالله بحقيقة عمالته في مقولته الشهيرة على الهواء مباشرة "انت من جابك؟".

يتباكون على ضياع اموال البلد ويتناسون انه هو من أضاع أكثر من الف مليار دولار في شراء خردة عسكرية روسية لم تغن عنه شيئا وفي مشاريع زراعية وهمية لم تنتج الا العجاج وفي دعم حركات “التحرر” في كل بلدان العالم جاعلًا الليبيين أسوا الشعوب سمعة في العالم وفي طبع خرارريفه عن كيفية حل كل مشاكل العالم في الوقت الذي كانت بلده تعاني من انقطاع الكهرباء والمياه والنقص في كل شيءٍ حتى الفجل.

يتباكون على موت الليبيين الان ويتناسون انه من اضاع شباب مئات الالوف في كراديس في عجاج المعسكرات وفي الحروب التي انتهت كلها بهزيمته وعلى اعواد المشانق وفي المعتقلات التي كانت اكثر من المدارس وفي المهجر حيث ظل يطاردهم دافعا الملايين للمرتزقة اللبنانيين والفلسطينيين ليغتالوا حتى من قرر ترك البلاد له.

يتباكون على ايام العز ويتناسون انهم وأبناءهم وزوجاتهم كانوا يشرعون في التطبيل والتحجيل وتبويص الايادى والجبين بمجرد ظهور قبوعة راسه من السيارة وحتي اختفاء موخرته من جديد في السيارة. يتناسون ان رياضتهم الوحيدة كانت الهتاف باستخدام الجذع والكتفين والذراعين والنعيق "علم يا قايد علمنا" لساعة كاملة قبل ان يسمح لهم بالجلوس.

يتباكون على نهايته ويتناسون انه هو من خلق الوضعية التي ادت الى وفاته على الخازوق فهو الذي سلط جزرايه على ابناء ليبيا يشنقونهم بدون محاكمة ويتدلون من اجسادهم الهامدة وان من يعش بالخازوق يموت بالخازوق.

انا اعرف انه من المستحيل ان تغير آراء هؤلاء بالحجة والبراهين. لكنهم على الأقل يجب ان يدركوا انه من المبكر جدًا إعادة كتابة التاريخ لاننا عشنا عهد القذافي كله و راينا وما زلنا نرى تركته التعيسة. فلقد بامكانه ان يعيش عيشة الملوك طول عمره لو فقط سمح لليبيين ان يحاولوا بناء دولة ومؤسسات واقتصاد فعال لكن نرجسيته وصغر نفسه وتفاهة تفكيره وحقده على كل من هو احسن منه حولنا الي حقل تجارب لكل أفكاره واوهامه خلال مراهقته البائسة التي لم تنتهي حتى لاقى ربه.

اننا مستعدون لغلق صفحة الماضي المؤلم والعمل مع كل من يريد بناء مؤسسات هذه المرحلة بجدية وإخلاص بغض النظر عن توجهاته لكننا لن نقبل بتزوير التاريخ وتقديس من كان السبب الرئيسي في الفوضى التى نعاني منها الان. حتي الحزب الشيوعى الروسى قبل المسؤولية عن اخطاء وفظائع ستالين رغم انه قادهم الى الانتصار علي احد اقدر الات بالحرب في تاريخ الانسانية المتمثلة فى جيوش المانيا وحلفائها . الرجل الذى هزمته بضعة شُلل تشادية محمولة على تويوتات لا يستحق اكثر من الخلود فى مزبلة التاريخ.