صلاح الفاخرى

عن انتفاضة الملاكمين

عن انتفاضة الملاكمين

في الصين حصلت عام 1899 انتفاضة ضخمة ضد التجار الأوربيين الذين كانوا يسيطرون على الاقتصاد الصيني مستغلين ضعف الصين وتخلفها. في كتب التاريخ يسمونها "انتفاضة الملاكمين" لان معظم المشاركين فيها كانوا يستخدمون أيديهم وسيوفهم في مواجهة عساكر الأوربيين المدججة بالمدافع والرشاشات. وطبعا خسرت الصين الحرب ونُهبت عاصمتها واجبرت على دفع غرامات ضخمة وإعطاء إقطاعات وتسهيلات للأوربيين مما عجل بانهيار الإمبراطورية الصينية.

لماذا لم يستخدم الصينيون (مكتشفو البارود واصحاب أعرق حضارات الارض) الأسلحة الحديثة؟ لان قادة الانتفاضة، الذين كانوا ينتمون الي جماعة دينية متشددة اسمها جماعة القبضات الصالحة والمتناغمة (اليوهيتان)، نجحوا في إقناع اتباعهم بأنه ليس هناك ما يخافونه من رصاص وقنابل الهمج الأوربيين (مثلنا كان الصينيون يعتقدون انهم وحدهم ملاك الحضارة). النتيجة كانت مقتل اكثر من 100،000 صيني (مقابل 250 أجنبي معظمهم من المبشرين) وانهيار النظام الذي كانوا يموتون من أجله.

الصين (ومن قبلها اليابان وكوريا) تعلمت الدرس و بفضل اتقانها للعلوم والتقنية صارت مصانع العالم ومن أقوى دوله اقتصادًا وجيوشا. الدرس الذي أقصده هو أن انكارنا الحقائق العلمية لا يؤذي منتجي تلك الحقائق لكنه قد يؤدي الى استخدامها بفعالية ضدنا. نستطيع ان نتجاهل الحقائق العلمية لان بعض شيوخنا (الذين لا يدرسون العلوم الحديثة بتاتًا) يزعم أنها تتعارض مع تفاسير اسلافهم لنصوص الإسلام، ولن يضر ذلك الأوربيين شيئًا. في الواقع ذلك سيضمن اننا سنبقى دائما غير جاهزين للمصيبة القادمة التي سيسلطها الأوربيون علينا، كما حصل للصينين وكما حصل لنا في القرون الخمسة الاخيرة منذ اكتشاف طاقة البخار وحتى تطوير الإنترنت وهندسة الجينات وتقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقات البديلة وغزو الفضاء.

وقد يبدو هذا الكلام نظريًا ولا علاقة له بواقع حياتنا اليومية حيث ينعدم الأمن ويسود الفساد وحيث نقضي أعمارنا في جدال لا ينتهي حول رؤية هلال العيد واخراج زكاة الفطر ومن منا يمتلك أحسن شيخ. لكن ما نعانيه اليوم هو نتيجة حتمية لإصرارنا على البقاء فكريًا خارج عصر العلوم في الوقت الذي نعيش كل تبعاته ونتائجه. فشلنُا في اقتفاء المنهج العلمي يضمن اننا لن نستطيع ان نطور التقنيات المناسبة لنا وسوف نبقي دائما نلهث وراء الغرب والشرق محاولين دون جدوى التأقلم مع العالم الذي يصنعونه لنا.