صلاح الفاخرى

عن ياء المتكلم المتصلة

أكلني المالحُ ويجلدني الحراسُ ويصفعني الشرطيُ، كلها أمثلة (معاصرة) على قاعدة نحوية قليلة الشأن وهي ان ياء المتكلم المتصلة بالفعل الماضي والمضارع تأخذ دور المفعول به وليس الفاعل والذي يأتي عادةً بعدها فالشرطي(الفاعل ابن الفاعلة) هو من صفعني (وانا المفعول به او المصفوع في هذا المثال) . انا لا أعتقد ان الناقد الاماراتى الذي جادل الشاعر بوحجر في صحة اعراب شطر بيته الشهير "ويعجبني في الذكرياتِ سخاؤُها" يجهل هذه القاعدة فانا اعرفها "ومستاويا نحو سنة سادسة" وكلنا في الواقع يعرفها غريزيًا فاذا ما قلت عضني باسنانه السلطان فلا احد (ما عدا المحققين وبعض الاعلاميين الحكوميين) يعتقد انني من قام بعض السلطان. فلماذا اختلط الامر على ناقدنا المتخصص؟

اعتقد ان المشكلة تكمن في تعقيد الجملة. فالشاعر لم يكتف بفصل الفعل عن الفاعل بشبه الجملة "في الذكريات" بل عمد الى وضع سخاء الذكريات رغم عدم وضوح معناها في موضع الفاعل. وفي الواقع اذا ما فكرت قليلا فسوف تلاحظ ان وصف الذكريات بالسخاء له نفس القدر من المعنى كاطراء بعد نظر القمبالي (الستيوالي) او وصف المكرونه المبكبكة بانها تتمتع بروح رياضية.

وقد يقول البعض ان ذلك مسموح به في الشعر والادب والفن. لكنني اشك في ذلك لأن وظيفة اللغة الأساسية هي نقل المعلومات والمشاعر الي المستمع. وانا لا أدري ما يتوجب على ان ادركه او اشعر به اذا ما قلت لي انك معجب بسخاء ذكرياتك! الشعور الوحيد الذي قد ينتابني هو الاستياء من عدم قدرتك على الحديث عن أشياء نافعة ومن اعتقادك انه بامكانك ان تضحك على ذقني بتمرير ثرثرة فارغة على انها حكمة بالغة عن طريق تعليبها في صيغة معقدة. فأروع الشعر (والنثر) أبسطه رغم غزارة معناه. فقط انظر الى هذه الأمثلة التى يستطيع كل عربي فهمها:

بِذا قَضَتِ الأَيّامُ مابَينَ أَهلِها /// مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ

ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ /// تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ

إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكْتَهُ /// وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا

ومِن العداوةِ ما ينالُكَ نفعُـهُ /// ومِن الصداقةِ ما يَضُرُّ ويُؤْلِمُ

أغايةُ الدينِ أن تَحفوا شواربكـم /// يا أمةً ضحكت من جهلِها الأممُ

وانا لا أقول اننا يجب ان نتوقف جميعنا عن قرض الشعر الا اذا اتينا بكلام يضارع ما اتى به المتنبي (فذلك من قبيل المستحيل). ولكن يجب ان نستهدف ايصال رسائل ذات قيمة ويجب ان نستخدم في ايصالها ابسط الصيغ والتعابير الممكنة. وما انبهارنا بالكلام المنمق عديم المعنى الا دليل على اننا نظل شعوبا ساذجة تفضل الشكل على المضمون.

واذا كنت ما تزال متشككًا في كلامي حاول ان تشرح لنا معاني البيوت التالية ( من الشعر القديم ):

تدفق في البطحاء بعد تبهطل /// وقعقع في البيداء غير مزركل

والتي شرح احدهم معاني كلاماتها كالتالي:

تبهطل : أي تكرنف في المشاحط

المزركل : هو كل بعبيط أصابته فطاطة

ومن الشعر الحديث:

وقبلما نهم بالرحيل

نذبح الخراف

واحد لعشتروت وواحد لأودنيس واحد لبعل

ثم نرفع المراسي الجديد من قرارة البحر

ونبدأ السفر

اذا فهمت فائدة كتابة او قراءة هذا الكلام ارجوك فهمنا

وللحديث بقية